جغرافيا الخوف والتطرف.. كيف تعيش صعدة في ظل سلطة الحوثيين؟

كريتر سكاي/خاص:


جغرافيا الخوف والتطرف.. كيف تعيش صعدة في ظل سلطة الحوثيين؟

بعد عشر سنوات من سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وفرض سلطتها على عشر محافظات يمنية في الشمال من بينها صعدة التي كانت منطلق الجماعة ومنبتها، الا أن المحافظة تعيش أسوأ فتراتها في ظل حكم الجماعة بشكل يفوق ما تعانيه المحافظات الأخرى والعاصمة صنعاء.

 

على الرغم من ادعاءاتهم بإقامة صعدة كنموذج للتنمية والخدمات والحكم الفعال، إلا أن الواقع يعكس صورة مختلفة تماما. إن رواية الحوثيين المدعومة بمفاهيم مثل "السيد" و "آل البيت" و "المسيرة القرآنية"، تفشل في التوافق مع تجارب سكان صعدة. شهاداتهم تكشف عن واقع قاتم، مما يظهر الخلفية القمعية للحوثيين، والتي تتناقض بشكل صارخ مع الصورة التي يرغبون في عرضها، حيث يركزون في المقام الأول على تعزيز قدراتهم العسكرية.

التطور والخدمات:

وتكشف محنة صعدة المزدوجة جوانب من الإرث الذي يصنعه الحوثيون، إذ أن كثير من اليمنيين يعتقدون أن صعدة استأثرت بالحكم والموارد واحتكرت الموارد ولكن عندما يزورها أي يمني سيجد أن صعدة لم يتغير فيها شيء باستثناء بعض الفنادق الفاخرة التي يتخذ منها قادة الجماعة سكنا مؤقتا عند عودتهم الى المدينة لعقد اجتماعاتهم لأن عائلاتهم أصبحت تتخذ من فلل وقصور صنعاء سكنا رغيدا، ضمن ما كانت الجماعة تطلق عليه "مساكن الذين ظلموا" ويقصد بها البيوت التي تعود ملكيتها الى مسؤولين ومعارضين للجماعة نزحوا الى مارب او عدن وتعز او الى الخارج هربا من انتقام الجماعة، وقام الحارس القضائي بتوزيعها سكنا لقيادات الجماعة ومسؤوليها.

وقال محمد عبدالملك وهو مواطن يسكن في ضواحي صعدة لكريتر سكاي إن صعدة تتراجع للخلف وما تزال شارع واحد وأن التنمية محصورة في عمارات وفنادق مزخرفة ومضاءة من الخارج تستخدم لعقد الاجتماعات المهمة "للمؤمنين" والتمويه بأنها أماكن مدنية.

وفي ريف ومديريات المحافظة لم تنفذ أي مشاريع باستثناء المرتبطة بالشؤون اللوجستية للجماعة، مثل شق بعض الطرق من اجل تسهيل التنقل عبر القرى لبعض الشعاب والجبال المستخدمة في التصنيع او المعسكرات المستحدثة، والحال نفسه في انشاء سدود صغير محدودة في بعض المناطق وبعضها مرتبط بأهداف عسكرية ستتكشف لاحقا.

"ثراء فردي ونهب شخصي للقيادات وللجماعة ما هو للناس" هكذا علق الشاب جبران عبدالله، على سؤال بأن الناس يعتقدون ان صعدة استحوذت على كل شيء.

القبضة الأمنية وصعوبة التنقل:

تعيش المحافظة حالة مستنفرة أمنيا على الدوام، ولا يمكن لأي يمني أن يدخل صعدة الا بعد تعريف وتحقيق عن مقصده والتأكد من وجهته وهو ما يسبب معاناة كبيرة للعمال الذي يقصدون صعدة منذ عشرات السنين للعمل في الحقول الزراعية، او الشباب الذين يتجهون بالمئات اسبوعيا نحو صعدة للعبور عبر الحدود الى السعودية للعمل وتحاوز كلفة فيزة العمل.

وكذلك لا يمكن لأي من أبناء صعدة نفسها التنقل بين المديريات او القرى الا لسبب واضح وبلاغ والا سيتعرض للتحقيق والحبس في بعض الاحوال.

وتتخذ الجماعة كل هذه الاجراءات لاتخاذها من صعدة عمقا للبنى التحتية الحساسة عسكريا، وتغلق مربعات وشعاب وتمنع فيها حتى الرعي وتصادر ملكية اي اراض زراعية تقع في محيط هذه المربعات.

ورغم كل هذا التشديد على المواطنين الا أن وحدات أمنية خاصة تابعة للجماعة تعمل على تسهيل وتنظيم عمليات التهريب للممنوعات والمخدرات والاسلحة عبر الحدود وهو مصدر دخل معتبر في تمويل الجماعة منذ نشأتها الى جانب رعاية مصالح تجار ومهربين نافذين يتعاونون مع الجماعة.

قيود على الانترنت:

بتوجيه من زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي وتعليمات مشرف المحافظة "الحمران" قامت الجماعة بحظر خدمة 4g من يمن موبايل او ادخال اجهزة الانترنت التي اتاحتها الجماعة مؤخرا في صنعاء عبر شركة الاتصالات "يمن فورجي"، والانترنت المسموح به في صعدة 1x و 2x فقط.

ويبرر قادة الجماعة بأن صعدة بيئة جهادية ايمانية والانترنت يسبب الانحراف ويشغل الناس والشباب عن الالتحاق بالمهام الجهادية والايمانية، ويشوش تصوراتهم التي تحاول الجماعة ترسيخها، كما يبرر آخرون بأن الاسباب أمنية أيضا، ولكن دون مزيد من الايضاحات، رغم ان الجماعة تسيطر على الاتصالات في عموم اليمن وليس مناطق سيطرتها فحسب.

قيود متطرفة

وتشمل القيود المتطرفة في صعدة منع محلات الاغاني والتسجيلات الصوتية باستثناء استديوهات الحوثيين الخاصة بالزوامل، وكذلك تمنع الاغاني في الاعراس او فتحها على السيارات وكذلك منع مظاهر الفرح في الاعراس وخاصة النسائية ومنع النقش والمكياج للنساء والزفاف، الا بالشكل الخالي من أي موسيقى او تجميل. بحجة الاعراف والغزو الفكري من امريكا واسرائيل.

وتحاول الجماعة تعميم نموذجها في صعدة على بقية المحافظات، اذ قام مشرف الحوثيين في عمران نايف ابوخرفشة بحبس عدد من الفنانيين الشعبيين الذي يحضرون في المناسبات والافراح الاجتماعية في منتصف العام الحالي، وبعضهم لا يزال في السجن منذ أشهر، وفي ضواحي العاصمة صنعاء بدأ مشرفو الجماعة باصدار لوائح تمنع الاغاني او التسجيلات الفنية في الاعراس، وهو ما يعني اتجاه الجماعة الى توسيع نموذجها في صعدة على باقي مناطق سيطرتها وفرض تصورها الخاص على كل مناحي حياة اليمنيين.

كساد في موطن الرمان!

تشتهر محافظة صعدة بأنها موطن الرمان وتعد المحافظة الاولى والاكثر جودة في زراعة هذه الفاكهة وتغطي مزارع الرمان مساحات واسعة من الجغرافيا الزراعية في المحافظة، ولذلك يعتمد قطاع كبير من السكان على عائدات الرمان في تحصيل أرزاقهم.

ولكن في السنوات الاخيرة تعرض مزارعوا الرمان الى خسائر لم تحصل لهم منذ عشرات السنين بسبب اجراءات مشرفي الحوثيين والقيود التي فرضوها على مزارعي ومصدري هذه الفاكهة، وأصدروا لائحة جديدة للوكلاء المحليين الذين ينشطون في تصدير الرمان محليا، مما أخرج غالبيتهم من السوق لصالح شركات حوثية جديدة أنشأتها الجماعة لاحتكار تصدير الرمان والتحكم بأسعاره.

وقال نايف أبو منصور ل.. إن هذه الاجراءات  كبدت المزارعين خسائر قاسية ولأول مرة يخرج المزراعين في مظاهرات عفوية في اسواق ضواحي صعدة تهتف للتنديد ضد قيود الجماعة.

وأضاف أن الهدف من هذه الاجراءات هو احتكار الارباح، وايضا سياسية ممنهجة لافقاد المواطنين مداخيلهم ومنعهم من الاعتماد على الذات في تحصيل ارزاقهم مما يجعلهم اكثر احتياجا للجماعة وخدماتها وايضا يدفع الشباب الذين ينشغلون مع اهلهم في الزراعة الا الالتحاق بصفوف الحوثيين للحصول على مصدر للدخل.

حكم الحوثيين في صعدة لم ينجح فقط في الوفاء بوعوده بالتنمية والازدهار، بل أسهم أيضاً في تفاقم معاناة سكانها، مما أدى إلى شعور واسع بالخيبة والمشقة.