متلازمة " الضياع الفكري " واحداث العالم
دعاء هزاع الجابري
في الحياة لا شيء يطرأ دون سابق انذار هنالك دائما استشعار لما سيحدث ولما سيؤول عليه الحدث ، ...
يُعد من يُطلق عليهم خطأ "المهمشون" في اليمن، مثل من يسمونهم امخدام، امريصا، وامعبيد في تهامة، جزءًا أصيلًا من نسيج المجتمع اليمني، بل إنهم من أكثر المواطنين تفانيًا في خدمة وطنهم وإخلاصًا له. ومع ذلك، فقد تعرضوا عبر التاريخ لظلم صارخ وتهميش ممنهج حرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، حتى باتوا الفئة الأكثر معاناة من القهر الاجتماعي والاقتصادي. إنهم لا يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية أو حتى العاشرة، بل يُنظر إليهم في كثير من الأحيان بازدراء، ويُحاصرون بالحرمان والتجاهل في مختلف مناحي الحياة، مما أدى إلى ترسيخ واقع مرير يصعب الفكاك منه.
يعيش هؤلاء المواطنون في بيئات معزولة، تُفرض عليهم الأعمال الأكثر مشقة والأدنى أجرًا، ويُحرمون من الوصول إلى فرص التعليم الجيد، سواء في المدارس أو الجامعات، مما يعمق دائرة الفقر والتهميش التي يعانون منها. كما أن غيابهم شبه التام عن المناصب الحكومية وبرامج الابتعاث يزيد من حرمانهم من أي فرص حقيقية لتحسين أوضاعهم. ولم يقتصر الأمر على الظلم المادي، بل طالهم التمييز النفسي والمجتمعي الذي سلبهم ثقتهم بأنفسهم وأجبرهم على قبول واقع لم يختاروه، بل فُرض عليهم قسرًا نتيجة ظروف قاسية غير عادلة.
وفي ظل التحولات السياسية التي يشهدها اليمن، ينبغي أن تكون قضية المهمشين في صلب أي مشروع وطني يسعى إلى بناء دولة العدالة والمواطنة المتساوية. لا بد من الاعتراف بالمظلومية التاريخية التي تعرضوا لها، والعمل على تقديم اعتذار رسمي من الدولة اليمنية الجديدة التي يطمح الجميع إلى قيامها، دولة تُؤسس على أسس القانون والمساواة وتكافؤ الفرص. كما يتوجب تبني سياسات جبر الضرر، بما في ذلك توفير الدعم والتعويضات الكافية لإصلاح الأضرار التي لحقت بهم على مدار العقود الماضية.
ولتحقيق العدالة، لا بد أن يتضمن الدستور اليمني القادم نصوصًا واضحة وصارمة تجرم كل أشكال التمييز ضد المهمشين، سواء كان لفظيًا، معنويًا، أو سلوكيًا، وأن تُوضع سياسات تنموية تكفل اندماجهم الحقيقي في المجتمع عبر تمكينهم اقتصاديًا وتعليميًا، ومنحهم فرصًا متكافئة في العمل والمناصب القيادية.
إن رفع الظلم عن هذه الفئة ليس مجرد قضية إنسانية أو اجتماعية، بل هو ضرورة وطنية وأخلاقية لبناء مجتمع أكثر عدالة وتماسكًا، مجتمع يُقدّر كل أبنائه على قدم المساواة، ويكفل لهم حقوقهم المشروعة، ليكون اليمن وطنًا للجميع، لا يُقصي أحدًا ولا يُميز بين مواطنيه بأي شكل من الأشكال.