قيادات أبين الورق
العنوان أعلاه ليس انتقاصًا من تاريخ أبين العظيم، ولا من رجالاتها الذين صنعوا أمجادها وسطروا ملاحمها...
سلام عليكم، كيفك يا فندم؟ ممكن ألتقي بك غدًا؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلًا ولدنا ماهر، منزلي ومكتبي مفتوحان لك في أي وقت ولحظة.
أنا: أسعدك الله، ما قصّرت يا فندم، وهذا تواضع منك.
هو: إذن نلتقي الساعة 10 صباحًا.
أنا: عُلم.
صباح اليوم قصدت مكتب أحد مسؤولي الدولة لغرض متابعة قضية أحد الجنود الذين تم توقيف مرتباتهم لعدة أشهر دون أي سبب يُذكر.
وصلت مكتب هذا المسؤول، وكان في استقبالي عند الباب السكرتير، أو ما يمكن تسميته بالحارس الشخصي، كون وزارتي الدفاع والداخلية ليستا مدنيتين بالكامل.
دخلت المكتب وبيدي ملف الجندي المسكين الذي يعيل أسرة مكونة من أربعة أبناء وثلاث بنات إضافة إلى زوجته، وهو بالكاد يوفر لقمة عيشهم، سلمت على الفندم وجلست على الكرسي المقابل له.
ما إن جلست حتى رفع الهاتف الأرضي مباشرةً وقال: "أحضروا شايًا أحمر وقهوة لولدنا ماهر، فالبدو يحبون القهوة."
ضحكت قليلًا وقلت له: "فعلاً، وأنا من عشاقها، أما من ناحية أنني بدوي، فهذه شهادة أعتز بها، ولا أنكر أصلي وفصلي، فلا ينكر ذلك إلا قليل الأصل."
أحضروا الشاي والقهوة، وبعد تناولها بدأت الحديث معه بتقديم الملف، قلت له: "يا فندم، حضرت اليوم وبين يدي مظلمة كبيرة، ولعمري إذا استمر الحال على هذا المنوال فلن نرى أثرًا للدولة بعد عام فقط، بسبب الفساد الذي يقترفه المسؤولون."
رد عليّ قائلاً: "فعلاً يا ماهر، هناك فساد كبير ينخر الدولة من أعلى الهرم إلى أصغر جندي، والمظالم كثيرة جدًا، وما هذا الملف الذي بين يديك إلا نموذج بسيط لآلاف المظالم التي تُعرض علينا يوميًا."
أخذ الملف ووقّع عليه ثم طلب من الحارس الذي ينتظر بالخارج أن يقوم بترتيب وضع هذا الجندي في أسرع وقت، ويوقف النصب والاحتيال الذي تعرض له هذا الجندي.
قلت له: "يا فندم، بين يديك ملف أحد المظلومين واعتقد إنه إذا كان لم يصل إليك فلن يُنصف وسيظل يُعاني.
أخبرني: كيف سيصلح الحال إذا كان مسؤولو الدولة هم السرق والنصابون؟
من سيُنصف هذا المواطن إذا كانت الدولة نفسها تسطو على حقه؟"
ثم أكملت بانفعال: "نخاطب من إذا كانت الدولة فاسدة؟ هل نستنجد بمن يأكلون حقوقنا ويسرقون تضحياتنا؟ ما الحل؟ كيف العمل؟ المسؤولون يعمرون الفلل في الداخل والخارج، بينما يموت الشعب جوعًا.
يسرقون الودائع واحدة تلو الأخرى، ثم يخرج منهم من يقول: ساندونا لاجتثاث الفساد!"
نظر إليّ بغضب وقال: "إنها لعنة الحرب يا ولدي، كل من أتى بعد الحرب لا يمثل الدولة، ولا يحمل ملامحها، الكل جاء للنهب والنصب والاحتيال، وتعمير منازلهم، وملء جيوبهم.
جميعهم تافهون ولصوص يا ولدي، وأقولها لك بكل صراحة، إن وجدنا أحدًا صالحًا يحب وطنه ويريد العمل لأجله، فإنهم يحاربونه، ويزرعون الأشواك في طريقه للإيقاع به."
ثم أضاف: "تخيل يا ولدي ماهر، جندي قبل الحرب قد أصبح اليوم مديرًا في أهم المرافق الحكومية، هذا الشخص الذي كان بالأمس يحمل سلاحه، أصبح اليوم يلعب بالمليارات."
وتابع حديثه قائلًا: "الجندي الذي لم يكن يستطيع السيطرة على مجموعة حمير في شوارع المعلا أو الشيخ عثمان أصبح مسؤولًا يأمر وينهى، ويقبض مليارات ويلعب بالملايين."
أكمل حديثه وقد بدا لي أنه يحمل الكثير في قلبه وقال: "بالله عليك، كيف سنقنع هذا الشخص أنه مجرد جندي ويجب أن يتوقف عن العبث؟ من سيقول له: عد إلى مكانك الطبيعي وقد أصبح يملك سيارات وعشرات الأطقم التي تحميه؟"
قاطعته وقلت: "قف من فضلك يا فندم، يكفي هذا، عقلي لم يعد يستوعب، أيعقل أن جنديًا يتحول إلى مسؤول بحجم حمار (إذا شبع أصدر أصواتًا مزعجة وتلاعب بأموال الشعب)؟"
لم أستطع الاستماع أكثر، فقلت: "يا فندم، ما يحدث في هذا الوطن أمر غريب للغاية، جندي يتحول بقدرة قادر إلى مدير في أهم مراكز الدولة! استأذنك الآن فلم يعد هناك مجال للحديث في هذه القضايا التي تقشعر لها الأبدان."
حملت نفسي وخرجت صوب عملي وأنا مصدوم مما يحدث، أهذا حلم أم حقيقة؟! من حارس على أحد مرافق الدولة إلى ملياردير؟
ماهر البرشاء.
الأحد 16 فبراير