تعرف على قصة حارس الحقل

كريتر سكاي: خاص

 

كتب وثيق القاضي:

ـ حارس الحقل ـ

في الغُربةِ الماضية، قبل المُغادرة  زُرت إحدى محلات العطورات في هذه المدينة، اقتنيتُ زجاجة عطر جميلة ؛ اصطحبتها مع كثيرًا من الهدايا البسيطة ،  تلك الزجاجة كنتُ قد نذرتُ بها لوالدي، وصلتُ القرية ؛ حان موعد تسليم الهدايا ، وهبتُ والدي هداياه البسيطة بالإضافة لزجاجةِ العطر الفخمة،  ثم نبهته بأن الزجاجة من العطر الفاخر ؛ كان الصيف في أوج نشوته ، وحقول والدي مليئة بالزرع والثمرة،  ولأن الوادي يبعد كثيرًا عن القرية ؛ لهذا السبب يصبح الزرع وجبة للحيوانات الليلية ، والثمرة تفقد بكارتها حينما يسقط الزرع نحو الأرض نتيجة عجنه من قِبل الحيوانات ؛ مضت أيام كثيرة وأنا لا أشتم رائحة العطر من ثياب والدي،  تلك الرائحة العذبة التي اقتنيتها بأصابعي ودفعت مقابلها كثيرًا من الورق للبائع ؛ كانت رائحته مخالفة للزجاجة؛  عطرًا لا يشبه الزجاجة تلك ، وهذا ما جعلني أكرر أسئلتي نحوه ؛ ومع كل سؤال كان يرشقني بابتسامة ويردف قائلًا : ما زالت الزجاجة مختبئة في الدولاب ؛ أرد ـ ولماذا ـ فيقول لستُ بحاجتها حاليًا ؛ لديَّ اُخرى أرش منها وعندما تنفد هذه سأقوم بفتحها ؛ وأنا أهزُ رأسي موافقًا.

أيام ورى أيام وأنا أشاهده يترك القرية قبيل الغروب؛  يتوجه نحو الوادي وفي يديه شيء ؛ يذهب ويعود بعد آذان العشاء؛  هكذا كرر زياراته هذه ؛  كنت ألمحه كل يوم لكنني لم أعاود أسئلتي؛ ولم أقل له ماذا تفعل عندما تذهب كل يوم نحو الحقول؛ في يومٍ لم أتمالك نفسي؛  أتى موعد مغادرته نحو الحقول؛  قبضتُ الكيس من يديه؛  فأنا لقد راودني الشك لكثرِ زياراته ؛  فرأيتُ الحقيقة كاملة ؛ شاهدتُ الزجاجة تلفظ أنفاسها الأخيرة ؛ قد شارفت على النفاد؛  لم يبقَ فيها سوا رشات قليلة؛  أبتسمتُ في وجههِ كثيرًا؛  سألته هاهي الزجاجة قد انتهت؛  وأنا لم أشتم رائحتها من ثيابك ؛

يرد والدي ويقول : هذا العطر رائحته قوية؛  وأنا لديَّ كثيرًا من الزرع؛  وكما تعلم الوادي يبعد عن القرية؛  لذلك لم أستطع حراسة الثمرة من الحيوانات الليلية؛  لقد تفننتُ بصناعةِ حارس من بقايا ثيابي وجذع شجرة فقدت روحها نتيجة الرياح ؛ لهذا أذهب نحو هذا الحارس دائمًا يا ابني؛  أقوم برشِ ثيابه ومن ثم أعود سريعًا،سألته ولماذا ؛  يرد ويقول عندما يأتي الليل؛  تخرج الحيوانات من جحورها ؛ تشتم رائحة العطر من بعيد ولا تداهم الحقول ، فتظن أن هناك من يحرس الثمرة ؛ تترك حقلنا وتذهب نحو حقول اُخرى؛  تلك التي لا يحرسها الرجل المصنوع من بقايا ثيابي وجذع كانت خطة والدي ذكية،  نضجت الثمرة دون أن يُتلف الزرع ؛  بينما الحقول الاُخرى عُجِنت كما تُعجن الأوطان المليئة بحيوانات الكراسي .