قرار إنهاء عقود شراء الطاقة .. محاربة للفساد أم تحسين الصورة السياسية

كريتر سكاي/خاص:

كتب / عبدالحميد المساجدي :

أثار قرار رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك بإنهاء تشغيل أو التعاقد مع محطات الطاقة العاملة بالديزل جدلاً واسعًا، خصوصًا مع استمرار تأجيل تنفيذه، رغم إعلان دخوله حيز التنفيذ مطلع يناير 2024. يأتي القرار في وقت حساس، وسط تزايد الضغوط الشعبية والسياسية نتيجة التدهور المستمر في خدمات الكهرباء، مما يطرح تساؤلات حول الغرض الحقيقي منه: هل هو خطوة إصلاحية جادة لمحاربة الفساد في قطاع الطاقة، أم مجرد محاولة لتسجيل إنجاز سياسي في ظل تصاعد الحديث عن تغييره؟


1. التحديات الفنية والاقتصادية لتنفيذ القرار

أ. ارتفاع الطلب على الكهرباء في رمضان والصيف

يزداد استهلاك الكهرباء خلال شهر رمضان بسبب الاستخدام المكثف للأجهزة الكهربائية، خصوصًا خلال ساعات الليل.

يشهد فصل الصيف ذروة الطلب على الطاقة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما يزيد من اعتماد المواطنين على أجهزة التكييف والتبريد.

في ظل عدم توفير بدائل كافية، قد يؤدي إنهاء عقود الطاقة المشتراة إلى أزمة كهربائية خانقة في أكثر الأوقات احتياجًا للكهرباء.

ب. غياب البدائل الجاهزة وتأثيره على استقرار الشبكة

لا توجد حتى الآن مشاريع طاقة جاهزة يمكنها تعويض النقص المتوقع عند إيقاف محطات الديزل.

الحلول طويلة الأمد، مثل مشاريع الطاقة المتجددة والغازية، لا تزال في مراحل التخطيط، ما يجعل توفير طاقة بديلة أمرًا غير ممكن على المدى القريب.

استمرار تشغيل بعض المحطات بتمديد جزئي للعقود قد يكون الخيار الوحيد لتجنب انقطاعات شاملة، مما يضعف مصداقية القرار.


2. البعد السياسي: بين تصفية النفوذ وتحسين الصورة

أ. محاولة تصدير القرار كإنجاز سياسي

يأتي إعلان القرار في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء ضغوطًا سياسية متزايدة، خصوصًا مع تزايد الحديث عن احتمالية إقالته بسبب فشله في إدارة الملفات الاقتصادية والخدمية.

يسعى بن مبارك إلى تقديم القرار كإجراء إصلاحي يهدف إلى كبح الفساد داخل قطاع الكهرباء، الذي طالما كان أحد أكثر القطاعات استنزافًا للمال العام.

يستهدف القرار شركات الطاقة الخاصة التي تربطها علاقات بمراكز نفوذ متعددة، مما يسمح للحكومة بتقديم نفسها كجهة تسعى لتفكيك شبكات الفساد، رغم أن التنفيذ الفعلي لا يزال يواجه عوائق كبيرة.

ب. التغطية على الفشل الإداري في ملف الكهرباء

لم تتمكن الحكومة من تحسين منظومة الطاقة أو تقليل الاعتماد على وقود الديزل، الذي يمثل عبئًا اقتصاديًا بسبب تكلفته المرتفعة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى.

استمرار معاناة المواطنين مع الانقطاعات المتكررة للكهرباء يُظهر أن القرار لم يكن جزءًا من خطة إصلاحية متكاملة، بل مجرد خطوة إعلامية تهدف إلى تهدئة الرأي العام.

بدلاً من تقديم حلول مستدامة، يتم تسويق القرار على أنه ضربة للفساد، رغم أن الفشل في تنفيذه بفعالية يعكس غياب رؤية واضحة لإصلاح قطاع الطاقة.

3. تداعيات القرار: أزمة طاقة تلوح في الأفق

في حال تم تنفيذ القرار دون توفير مصادر بديلة، سيؤدي ذلك إلى انهيار قطاع الكهرباء، خاصة خلال فترات الذروة.

يمكن أن يتسبب انقطاع الكهرباء في زيادة التوترات الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى احتجاجات واسعة ضد الحكومة، وهو ما يعكس التحدي السياسي الكبير الذي يواجه بن مبارك.

التراجع المحتمل عن القرار، سواء بشكل كلي أو جزئي، قد يفضح التناقض في سياسات الحكومة، حيث يتم الإعلان عن إجراءات جذرية دون خطط تنفيذية حقيقية.


*الخلاصة*

قرار إنهاء عقود شراء الطاقة يحمل في طياته بُعدين متداخلين: فني يتمثل في غياب البدائل الجاهزة، وسياسي يرتبط بمحاولة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك تعزيز صورته في مواجهة ضغوط الإقالة. في ظل غياب حلول فعلية تضمن استقرار الكهرباء، يبدو أن القرار ليس سوى ورقة سياسية تُستخدم لإعادة تشكيل المشهد الحكومي، بدلاً من أن تكون خطوة إصلاحية مدروسة. وإذا لم يتم التعامل مع تداعياته بحذر، فقد يؤدي إلى أزمة كهربائية غير مسبوقة، تزيد من معاناة المواطنين وتكشف هشاشة الإدارة الحكومية لهذا الملف الحساس.