انهيار المنظومة التعليمية في اليمن: تحديات معقدة في مناطق سيطرة الحوثيين والمناطق المحررة

تعاني المنظومة التعليمية في اليمن من انهيار شامل نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، حيث أضحت العملية التعليمية في كثير من المناطق أسيرة للصراعات المسلحة والتدخلات السياسية. هذا الانهيار تتجسد صورته بشكل واضح في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي وفي المناطق المحررة التي تشهد إضرابات احتجاجًا على الوضع المالي المتدهور.

التعليم في مناطق سيطرة الحوثي: مناهج طائفية وأجندة سياسية

في المناطق التي تخضع لسيطرة مليشيا الحوثي، تحولت العملية التعليمية إلى أداة لتكريس الفكر الطائفي والمذهبي. فقد تم تعديل المناهج الدراسية بما يتناسب مع الأيديولوجيا الطائفية للمليشيا، لتصبح المناهج التعليمية مفخخة بتوجهات سياسية لا علاقة لها بتطوير الفكر العلمي والثقافي للطلاب. هذا التغيير في المناهج لا يقتصر فقط على المواد الدينية، بل يشمل جميع المواد الدراسية، حيث تم تضمين مفاهيم تحرض على الكراهية وتدعو إلى الولاء الأعمى لمليشيا الحوثي.
هذه الأيديولوجيا الحوثية لا تلحق فقط الضرر بالعقول الشابة، بل تؤثر أيضًا على مستقبل الأجيال في تلك المناطق، حيث تُسلب منهم فرصة التعلم في بيئة تعليمية محايدة تتسم بالموضوعية والحرية الفكرية. وبسبب هذه المناهج، تجد الطلاب والمعلمون أنفسهم في مواجهة صعوبة كبيرة في الانفتاح على عالم المعرفة والتعلم في ظل سيطرة الفكر الواحد الذي لا يقبل التنوع أو النقاش.

التعليم في المناطق المحررة: إضراب شامل بسبب تدني رواتب المعلمين

أما في المناطق المحررة، حيث تعيش غالبية المدن الكبرى، بما فيها مدينة تعز، تأثير للمنظومة التعليمية بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية بشكل عام. يعاني المعلمون في تلك المناطق من تأخر رواتبهم وتدنيها إلى حد لا يتناسب مع الوضع المعيشي المتردي، مما دفعهم إلى الامتناع عن العمل أو الدخول في إضراب شامل. في تعز، التي تعد واحدة من أكبر وأهم المحافظات اليمنية، دخل الإضراب شهره الثاني على التوالي، حيث توقف المعلمون عن التدريس مطالبين بحقوقهم المالية.

من أبرز أسباب هذا الإضراب هو تدني رواتب المعلمين، حيث لا تتجاوز رواتبهم في العديد من الحالات 40 دولارًا شهريًا، في وقت يعيش فيه المجتمع اليمني أزمة اقتصادية خانقة وارتفاعًا كبيرًا في أسعار السلع الأساسية. في المقابل، تصل رواتب المسؤولين الحكوميين إلى أكثر من 10 آلاف دولار شهريًا، ما يثير استياء واسعًا بين المعلمين والأسر اليمنية التي ترى أن هناك فرقًا شاسعًا في التعامل مع موظفي الدولة وبين المسؤولين الذين يحصلون على رواتب ضخمة مقارنة بالموظفين البسطاء، مثل المعلمين الذين يعانون في توفير احتياجاتهم الأساسية.

الآثار السلبية لهذه الأزمة

لقد انعكست هذه المعاناة بشكل سلبي على مستوى التعليم في البلاد، حيث يعاني الطلاب من غياب المعلمين وتوقف العملية التعليمية في العديد من المدارس. إضافة إلى ذلك، تسبب إضراب المعلمين في إرباك حياتهم الدراسية، مما يؤدي إلى تدهور جودة التعليم، ويزيد من معاناة الأسر اليمنية التي تأمل في توفير تعليم جيد لأبنائها وسط الظروف الصعبة.

أما في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي، فإن المعاناة لا تقتصر فقط على غياب المناهج التعليمية المستنيرة، بل تتعداها إلى الحرمان من فرص التعليم الجيد بسبب السياسة التعليمية التي تعتمدها هذه المليشيا، ما يؤدي إلى تفشي الفقر الثقافي وتعميق الانقسام الاجتماعي.

حلول وتوجهات مستقبلية

إن الوضع الراهن يتطلب من الحكومة الشرعية و المجتمع الدولي تحمل مسؤولياتهم تجاه مستقبل التعليم في اليمن. الحكومة الشرعية مطالبة بتحسين الأوضاع المالية للمعلمين في المناطق المحررة، وذلك عبر صرف الرواتب بشكل منتظم وتقديم حوافز مالية لتحفيز المعلمين على العودة إلى مدارسهم. كما ينبغي العمل على تحسين الظروف المعيشية في المناطق المحررة بشكل عام، مما سينعكس إيجابًا على العملية التعليمية في تلك المناطق.

من جانب آخر، لا بد من التدخل الدولي لوضع حد لتسييس التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث يتوجب على المنظمات الدولية المعنية بتعليم الأطفال الضغط على الحوثيين للعودة إلى مناهج تعليمية محايدة تضمن حق الطلاب في تعليم حر بعيدًا عن التلاعب السياسي والفكري.

ختاما

إن المنظومة التعليمية في اليمن تعيش مرحلة حرجة جدًا في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة. وفي حين أن القطاع التعليمي في المناطق المحررة يعاني من مشاكل مالية تتعلق بتدني رواتب المعلمين، فإن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين تشهد تلاعبًا في المناهج الدراسية لخدمة أجندات سياسية ضيقة.

في كلا الحالتين، يتعرض الجيل الحالي من الطلاب في اليمن لخطر كبير في حال استمرار هذه الأزمة، مما يتطلب تعاونًا عاجلًا من الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي لإنقاذ العملية التعليمية وضمان حق الأطفال في التعليم الجيد والحر.

مقالات الكاتب

غريب في وطني

الفقر في الوطن غربة. حقيقة اعاني منها انا وملايين من أبناء هذا الشعب التي أنهكته الحروب والصراعات وت...